لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أيها الولد
أعلم يا ولدي أن النصيحة سهلة فما أسهل الأقوال وما أصعب الأفعال، فالنصيحة لها طعم مُرّ في النفوس؛ لأن النفس لا تُحب إلا الهوى والانغماس في الشهوات، فالمحامد مكروهة والشهوات محبوبة، اعلم يا ولدي أن الهدف من العلم العمل وأن قومًا اكتفوا بالعلم ولم يعملوا هم القوم الخاسرون، اعلم يا ولدي أنه جاء في الحديث: إن أشد الناس عذابًا عالم لا ينفعه الله بعلمه.ويُروى أن "الجنيد" وهو من هو -رحمه الله- رُئِي بعد موته في المنام فسُئل كيف أنت يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات وفنيت الإشارات ولم يبقَ لنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل، انظر يا ولدي هذا العالم العابد الزاهد "أبو القاسم الجنيد" لم يأخذ معه بعد موته إلا هذه الركعات التي ركعها في جوف الليل فالعلم لا ينفع بلا عمل.أيها الولد
تأكد يا ولدي أن العلم بدون عمل لا يُنقذ صاحبه فكُن حريصًا على العمل حرصك على العلم، وكُن حريصًا على نقاء القلب ترى بنور الله، هل ترى يا ولدي أن السيف مع الرجل الشُجاع ينفع إذا لم يستخدمه؟ وهل ترى يا ولدي أن مجرد وصف الدواء للمريض كافٍ لشفاء المريض، فإن كان لا بُد من استخدام السيف في مقارعة الأعداء ولا بُد من تناول الدواء لاستجلاب الشفاء هكذا العلم لا بُد له من عمل حتى يكون للعلم فائدة.أيها الولد
أعلم يا ولدي أنه لو طلبت العلم مائة سنة وألفّت ألف كتاب لم يكن ذلك مُجْزيًا إلا إذا اقترن ذلك بالعمل، يا ولدي لم يذكر الله العلم إلا مع العمل، فقد قال تعالى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى[سورة النجم آية رقم:39]، وقال، إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [سورة البروج آية رقم:11]، وقال ،إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[سورة البقرة آية رقم:277]، ففي آيات القرآن الحكيم نجد ربطا بين القول والعمل وبين العلم والعمل فلا يكون علم بلا عمل، وفي السنة المطهرة يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)[صحيح مسلم كتاب الإيمان:1/48].فلا يصل العبد المؤمن إلى رضا الله إلا بالعمل ولو قال قائل: إن مجرد الإيمان يكفي قلنا له وهل الإيمان إلا ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل، وكم من عواقب يُصادفها المؤمن في حياته لا ينجو منها إلا بالعمل الصالح، وإن كان دخول الجنة برحمة الله تبارك وتعالى إلا إن الارتقاء فيها يكون بالعمل يقول الحسن البصري -رحمه الله-: يوم القيامة يقول الله للناس: ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بينكم بقدر أعمالكم، فرحمة الله وسعت كل شيء لكن لا يجب أن نُحسن الظن ونُسيء العمل.يُروى أنّ عابدًا من بني إسرائيل ظل يعبد الله سبعين سنة فأراد الله تبارك وتعالى أن يُظهر بعض الحقائق للملائكة فأرسل إليه مَلَكًا يقول له: يا فلان إنك لن تدخل الجنة، فقال العابد: إنما خُلقنا في هذه الدُنيا للعبادة فلا ينبغي أن نفعل غيرها. فرجع الملك إلى الله فسأله الله: ماذا قال عبدي؟ قال الملك: يا ربي أنت أعلم، قال: إنما خُلقنا في هذه الدُنيا للعبادة فلا ينبغي أن نفعل غيرها.إذا هو لم يعرض عنا فلن نُعرض عنه، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له، فمن هذه الواقعة نجد أن الغزالي يقول لنا: إن العمل مهم وحُسن الظن مهم، يقول الإمام علي -رضي الله عنه-: من ظن أنه بدون الجُهد يصل فهو مُتَمَنٍّ، ومن ظن أن بالجهد يصل فهو مستغنٍ، وكلاهما مذموم، إذ إن الجهد مطلوب مع التوكل وحُسن الظن.أيها الولد
أعلم يا ولدي أنك قضيت الليالي الطوال في سبيل تحصيل العلم، فيجب أن تسأل نفسك إن كُنت تريد تحصيل العلم من أجل حُطام الدنيا أو منصب تريده أو كُنت تريد تحصيل العلم من أجل صرف وجوه الناس إليك، أو من أجل مجادلة الأقران والفوز بهم، فالويل لك والجاهل أفضل منك، أما إن كنت تُحصّل العلم من أجل تهذيب النفس وكبح شهواتها واتباع سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطوبى لك ثم طوبى لك فقد فُزْت بخير الدنيا والآخرة.أيها الولد
- تذكر دائماً أنك ميت، فعش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به.
- فالنصيحة لها طعم أيها الولد، اعلم يا ولدي أن النصيحة سهلة فما أسهل الأقوال وما أصعب الأفعال.
- اعلم يا ولدي أن العلم في شئون الدنيا أو في شئون الدين بدون عمل هو مضيعة للجهد والعمر، وعلى الإنسان أن يخجل أن ينشغل بالخَلْق عن الخالق. الله قد غمرك بنعمه وهو لا يحتاج إليك فالكل محتاج إليه وهو الغني عنهم، ومع ذلك هو الذي يتحبب إليهم وهم ينأون عنه، ويبتعدون عن رحمته وهم الأحوج إليه.