لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
"مصطفى محرم" أو كيف تصنع من الفسيخ شربات؟
لا أقول إنّ رواية "إحسان عبد القدوس" المأخوذ عنها المسلسل -والتي تحمل نفس الاسم- سيِّئةٌ، لقد كانت الرواية مفاجأة لي حينما قرأتها، شخصيات محذوفة من المسلسل موجودة في الرواية، وشخصيات من الرواية محذوفة من المسلسل.في الرواية، التي لا تريد أن تعيش في جلباب أبيها نظيرة؛ لأن الولدين عبد الوهاب وعبد الستار ينشغلان بمشاريعهما الأخرى، عبد الستار أصلًا كان شخصًا بلا دَوْر، لقد كان مجرد اسم مذكور فقط، الشاب الذي تزَّوَج من إنجليزية ولم يَعُد أبدًا للوطن.دَوْر الأمّ أيضًا لم يكن موجودًا، كل الأدوار ثانوية باستثناء "نظيرة" و"حسين" وهو الراوي، و"عبد الوهاب" "وروزالين"، أما عن الحج عبدالغفور فحدث ولا حرج، لقد كان شخصًا مرتشيًا، متهربًا من الضرائب، من سينجذب لذلك المسلسل، مَن سيحِبُ رجلًا مرتشيًا خائنًا، أو كيف تصبح رواية (130) صفحة مُسلسَلًا من ثلاثين حلقة؟صرح الكاتب "مصطفى محرم" في لقاء تلفزيوني لقناة "إكسترا نيوز" أنه لم يكن مقتنعًا بالقصة حينما عرضت عليه، لم تكن القصة جاذبة فهي تدور حول علاقة وَلَدٍ وأبيه والفتى يحلم بالسفر إلى أمريكا، لم تكن تضجّ بالأحداث التي تغطى حلقات المسلسل، حتى إنه في بادئ الأمر حينما أُرسِلَت الفكرة للفنان "نور الشريف" لم يتحمس هو الآخر في بداية الأمر، كما أن البطلين اللذين أشعلا السوشيال ميديا بقصة حبهما البسيطة لم يكونا هم المرشحين في بادئ الأمر، فقد تم ترشيح الفنانة "يسرا" لدور فاطمة والفنان "محمود عبدالعزيز" في دور عبدالغفور البرعي.فالتحفة التي نراها الآن ونسعى لتحليلها، ونشاهدها بشغف، فرح سنية الذي يدعو بعضنا بعضًا لمشاهدته من خلال منشورات السوشيال ميديا، عائلة كشري بكل أفرادها، والحاج إبراهيم سردينة الذي كان يدفع عبدالغفور دفعًا لأن ينال ما يحلم به، كل ذلك كان من صنيعة الكاتب "مصطفى محرم"، الذي عالج الفكرة وقام بكتابتها بهذا الشكل الاحترافي، وبعد ذلك جاء مجهود فريق العمل واندماجهم سويًّا.- عشر أسباب تجعلك لا تمل من مشاهدة مسلسل (أبو العروسة)
- الأفلام والمسلسلات وتأثيرها في الوعي (دراما رمضان 2020 أنموذجًا)
إعادة الاكتشاف وإعادة الشهرة
هل للكورونا والحجر الصحي دور في ذلك؟ نعم للكورونا والبقاء في المنزل واتساع الوقت دور أكبر، واقترابنا من عوائلنا ومحاولة الاندماج معهم أيضًا دور في ذلك، لقد أصبحنا نجالسهم أكثر، نشاركهم الاهتمامات، ويعجبنا ما يرونه، على الرغم من تحليلنا لكل شيء فيه، وربما يعجبهم ما نشاهده فيشاركوننا فيه، ولكن لِمَ يشدّنا ذلك المسلسل على الرغم من فقر إمكانياته (مقارنةً مع المسلسلات حديثة الإنتاج)؟في رأيي يرجع ذلك لعدة أسباب:شتات عبد الوهاب (حينما لا تعرف ماذا تريد)
إن شخصية عبد الوهاب، تلك الشخصية التي تمرّ بتغيرات فكرية كثيرة، فهو اليوم يريد أن يصبح لاعب كرة، ثم يصبح سِكِّيرًا، وبعد ذلك يرتاد المسجد ويطلق لحيته، إنها التخبطات التي مررنا بها جميعًا في مرحلة المراهقة، حيث لا نعرف من نحن وماذا نريد، وتكثر تلك التخبطات لدى المراهقين الذين يبتعدون عن عائلاتهم، لأي سبب كان، إنه البحث عن الذات، أو حتى عناد الذات، محاولة الخروج من عباءة الأب، كلها ترصدنا وتمسّنا ذكورًا وإناثًا، مَن منا لم يحب مغنيًا في المراهقة، ويملأ جدار غرفته بصوره، ثم في مرحلة لاحقة نقطع تلك الصور لأنها تطرد الشياطين من الغرفة؟إمكانيات ضعيفة، ومواهب مبدعة
لم تكن تقنيات التصوير آنذاك تُشبه تقنيات التصوير اليوم، ولم تكن الميزانية الضخمة متواجدة لتدعم الممثلين، ولكن كان هناك الإبداع والخيال والموهبة، وهو ما لا يشتريه المال ولا تعالجه التقنيات الحديثة، ففي المسلسل اجتمعت الكوادر التمثيلية المذهلة من "نور الشريف" إلى "عبلة كامل" وباقي طاقم العمل، إنك حينما تشاهد الأم فاطنة تحدث نظيرة أصغر بناتها وأكثرهن ناقشًا ومجادلة، تشعر أن تلك الأم أمك أنت، أنها حركات الأم وانفعالاتها، لهفتها لتزويج البنت، وبكائها في سريرها في الصباح التالي، التهديدات الطائشة التي لا تنفذ، الشدة واللين.وعبد الغفور البسيط، ثم عبدالغفور الغني، وعبد الغفور الملياردير بأمثاله الشعبية الظريفة، ولهجته كتاجر، لا تصدق أن ذلك هو الممثل نور الشريف، إن كل الممثلين عزفوا سيمفونية خاصة متقنة، لقد كان كل شيء حقيقيًّا كما قالت الممثلة وفاء صادق لبرنامج "الستات ميعرفوش يكدبوا" إن المخرج أحمد توفيق أخبرهم ألّا يقوموا بالتمثيل وأن يتصرفوا وكأنهم عائلة بالفعل.كما أوضحت عدم وجود "ستايلست" وهو الذي ينسق الملابس للممثلين، وهنا كان تدخل الممثلة الرائعة "سهير الباروني" فقد كانت تحضر الورد و(الترتر) حتى يتم زيادتها للملابس، لإضفاء المصداقية عليها، فهم كانوا يرتدون الملابس كعائلة تاجر الخردة، لا كعائلة المليونير، كما تحكى موقف آخر للفنانة وهو أنها وضعت البُنّ في شعرها في مشهد الحِنّة، وهو ما كان مفاجأة لهم ودليل على موهبتها.إرضاء الصغار والكبار
كيف ترضي الشبان؟ بأن تجعل بطلهم في النهاية يجد طريقه، وأن تتزوج الفتيات وينالن التعويض المناسب، وكيف تجعل الكبار يحبون المسلسل؟ بأن يعود الولد لأبيه معترفًا أن الأب هو الأصح، وأن ما يراه هو الأصلح، فينتهى الصراع الكبير الطويل الذي يمتد لثمانية وعشرين حلقة بعناق بين الأب وابنه، بأن يطلب منه الابن العمل معه، وهو ما يجعل الكبار ينظرون إلينا بعين عبدالغفور قائلين:(بكرة لما تكبروا هتعرفوا إن إحنا صح).لا يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل هناك التواضع وهو السمة الغالبة على أغنياء المسلسل بدءًا من المعلم سردينة الذي يحتضن عبدالغفور إلى عبدالغفور نفسه، حتى لتجد أن العائلة المكروهة الوحيدة هي عائلة الوزير لغرورهم، إن المسلسل يشبهنا كثيرًا بكل طبقاتنا، كما أنه يخبرنا أنه من الممكن بعد أن كنت تجمع الخردة في الأزقة ولا تمتلك جلبابًا، أن تصبح مليونيرًا يشترى طائرة، وهذا ما نحلم به حتى لو قلنا دائمًا العكس.