لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لماذا لا يروننا مبدعات؟
في وجدان الشعوب على مَرّ العصور عوملت المرأة كمخلوقٍ درجة ثانية، من الرجال والنساء على السواء، وذلك ليس فقط حصرًا على المجتمعات العربية، بل يمتد إلى المجتمعات الغربية أيضًا، فعلى الرغم من ارتفاع صوت النساء وظهور النسوية إلا أن الفكرة العامة ما زالت كما هي لدى الكثيرين، فهم يرون أن لا مكان للمرأة بين جماعات الكتاب والأدباء، بل لا مكان لها خارج البيت من الأصل، لذلك فأينما يذهبن توجد الاتهامات، ولا سيما الاتهامات التي تلحق دائمًا بالمرأة الكاتبة، فهناك من يقول: إن النساء نصف مبدعات لا يملكن تجربة غنية مثل تلك التي يملكها الكُتّاب من الرجال، أو أنهن بارزات فقط في كتابة قصص النميمة أو القصص الاجتماعية لأنها صنعتهن.وفي بعض الأحيان توصف لغة النساء باللغة الركيكة، على الرغم من أن ركاكة اللغة لا ترجع أبدًا لجنس الكاتب، بل لحصيلته اللغوية ومهارة استخدامها، أو العكس وهو تسلُّح بعض الكاتبات بلغتهن الصقيلة لأنهن لا يملكن أفكارًا فذَّة، ولكم طارد هذا الاتهام الكاتبة العربية (أحلام مستغانمي) بل لم يتوقف الأمر عند تفاهة الأفكار -على الرغم من كونها ليست تافهة- واللغة المزخرفة، بل تعدى إلى نسوية الأفكار وإفساد عقول النساء وهو ما أقف أمامه ذاهلة، فهل تلك المرأة التي كتبت (كنت سأنجب منك قبيلة) معارضة للرجال وتكرههم وتحض على كراهيتهم، ثم تعدى الأمر لاتهامات صريحة بسرقة إحدى رواياتها من شاعر عربي.فالاتهامات تقف دائمًا للكاتبات، كُلٌّ مترصِّد، فمن عدم قدرتها على الإبداع إلى الكتابة النسوية، حيث تُتَّهم الكاتبات اللاتي تطرحن مشكلاتهن المجتمعية في الروايات بأنهن نسويات، وكأن اهتمام الكاتبة بمشكلات مجتمعها، عيب يقدح في شخصيتها، أو كتابتها، بل إن هناك بعض الأشخاص يفضلون أعمال كاتبة وينكرون أو يحاولون تجاهل أعمالها الأخرى، فإن سألت أحد هؤلاء عن الكاتبة المبدعة (بثينة العيسى) ستجدهم يذكرون (كل الأشياء) (خرائط التيه) ولكنّ عملًا مثل (كبرت ونسيت أن أنسى) تجده مهملًا، لا يذكره أحد على الرغم مما يحمله من جمالية ومشاعر صادقة، ووصف الألم الذي عانت منه البطلة.- دليل الكاتب المغوار في اصطياد الأفكار
- كيف تكون كاتبًا مستقلًا محترفًا
- مذكرات كاتب مُصاب بمتلازمة ضياع الفراشة!
نحن ذاتيات نعم! وماذا بعد؟
في كتاب (تقنيات كتابة الرواية لنانسي كريس) جزء الشخصية وكيفية كتابتها النص التالي:"لديك أربعة مصادر تستمد شخصياتك منها: أنت نفسك، أشخاص حقيقيون تعرفهم، أشخاص حقيقيون تسمع عنهم، وخيالك الخاص) وفي الفقرة التي تليها "كل شخصية تبتكرها منك أنت، فأنت لم تقتل أحدًا في حياتك، ولكن غضب القاتل مستمد من ذكريات أقصى لحظات الغضب التي عرفتها".فالحقيقة أن الكاتب سواءٌ كان رجلًا أو امرأة، أول ما يستمد منه حكايات الكتابة هي حكايات حدثت له فحركته لتدوينها، أو أقاصيص مرت عليه، أو مواقف كان طرفًا فيها أو حتى حكايات الطفولة، في رواية "لقيطة إسطنبول"، كتبت إليف شافاك شخصية "الخالة بانو" وهي السيدة المشعوذة، وحينما تقرأ كتاب "حليب أسود" وهو مذكرات الكاتبة مع الكتابة والأمومة وحكايات أخرى ستجدها تصف جدتها بقولها:
"جدتي لأمي امرأة لطيفة وقِدِّسية وغفيرة بالخرافات".وفي موضع آخر تحكي عن قصتها مع جدتها التي أسهمت بشكل كبير في طفولتها، تلك الجدة التي تصنع الرُّقى والدوائر على التفاحات وتتمتم عليها من أجل شفاء المرضي والمتعَبات، فالمدقق سيجد أن الخالة "بانو" مأخوذة من الجدة وتشبهها إلى حد كبير، فهل أفقد هذا إليف براعتها، على العكس تمامًا، لقد أخذت الشخصية الحقيقة، ثم هناك وضعت حولها الزخم الذي جعلها في وجهة نظري أحلى شخصيات الرواية. فالكاتب سواءٌ كان رجلًا أو امرأة هو الماهر في توظيف ما يمتلكه من مادة أولية من بيئته، ثم يحوله إلى قصة جميلة، إنه مثل الساحرة التي حولت اليقطينة إلى قرعة، وسندريلا العادية ذات الثياب الممزقة، إلى أميرة أخاذّة الحسن بفستان جميل.